التعليم من أجل التنمية المستدامة.. استثمار في المستقبل العادل والمسؤول
في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، جاء تقرير شامل ليعيد وضع التعليم في موقعه الطبيعي كأداة للتحول لا مجرد وسيلة لنقل المعارف، حيث يؤكد التقرير أن التعليم من أجل التنمية المستدامة يمثل ركيزة أساسية لتحقيق أهداف خطة 2030، ليس فقط عبر ضمان تعليم جيد ومنصف للجميع، بل باعتباره محركًا للتغيير الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، وقوة قادرة على بناء مستقبل أكثر عدالة واستدامة للبشرية.
يشدد التقرير، الذي أعدته المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، عن التعليم من أجل التنمية المستدامة، بناءً على طلب من الجمعية العامة، على أن التعليم لا يمكن أن يظل حبيس الفصول الدراسية، بل يجب أن يمتد إلى الحياة اليومية، ويغدو جزءًا من أنشطة المجتمعات، بما يرسخ ممارسات الاستهلاك والإنتاج المستدامة، ويعزز السلوكيات الصديقة للبيئة، عبر دمج مبادئ الاستدامة في المناهج التعليمية، حتى تكتسب الأجيال الجديدة المعرفة والمهارات والقيم التي تؤهلها لمواجهة تحديات كبرى، مثل تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وندرة الموارد الطبيعية، إلى جانب الأزمات الصحية والاقتصادية التي تعصف بالعالم.
كما يبرز التقرير الدور الحيوي للتعليم في رفع الوعي البيئي، وتعزيز قدرات المجتمعات على التكيف مع التحولات المناخية، والتقليل من مخاطر الكوارث الطبيعية، باعتبار أن التعليم يمثل أداة تمكين، تفتح أمام الشباب والنساء والمجتمعات المحلية فرصًا حقيقية لقيادة التغيير، بدلًا من البقاء في موقع المتلقين، اعتماداً على منظومات تعليمية تعمل على تطوير المهارات الحياتية والقدرات الإبداعية، وتعزيز المشاركة في صنع القرار، وتحفيز المجتمعات على إيجاد حلول مبتكرة، لترسيخ مبادئ العدالة والمساواة.
ونظراً لأن التحديات لا تعترف بالحدود، يدعو التقرير إلى تعزيز الشراكات الدولية، وتكامل الجهود بين الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية، بما في ذلك توفير التمويل الكافي لتطوير البرامج التعليمية، وتأهيل المعلمين، وبناء منصات عالمية لمتابعة التقدم في إدماج الاستدامة في التعليم.
وتؤكد المديرة العام لمنظمة «اليونسكو»، في ختام التقرير، أن التعليم من أجل التنمية المستدامة ليس ترفًا ولا خيارًا ثانويًا، بل استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري، وقيم التضامن والمسؤولية المشتركة، كما يمثل حجر الأساس لمجتمعات أكثر قدرة على الصمود أمام الأزمات، وأكثر استعدادًا لقيادة التحول نحو عالم أكثر شمولًا وإنصافًا ومسؤولية تجاه الإنسان والبيئة، عالم تتم صياغة ملامحه بعدالة، ويجري بناؤه بأيدي أجيال تعرف كيف تحمي مستقبلها.